يبدو أن الرماد الذي كان يغطي النار التي تحيط بالعلاقات السعودية والاماراتية مع تركيا بدأ يتناثر في الهواء ليكشف عن حجم اللهب الذي بدأ يحرق الجانب الايجابي من هذه العلاقات والمتعلق بالاقتصاد والاستثمارات ويبقي على الجانب السلبي والمتمثل بتبادل الاتهامات بشكل مستمر والاتجاه نحو قطيعة تامة في العلاقات بعد التوتر الأخير الذي حصل على خلفية التوترات الحاصلة في المنطقة، لاسيما ما يجري في ليبيا، ناهيك عن قضية خاشقجي التي لاتزال حاضرة في خلافات المملكة السعودية مع تركيا، وفي ظاهر الأمر فإن التوترات مع تركيا تتجه نحو التصعيد.
نبدأ من آخر الاتهامات التي وجهتها تركيا لدولة الامارت اليوم الثلاثاء، متهمة اياها بإحلال الفوضى في الشرق الأوسط بتدخلاتها في ليبيا واليمن، في رد آخر على بيان لحلفاء اللواء المتقاعد خليفة حفتر -بينهم الإمارات- يندد بما وصفوه بالتدخل التركي في ليبيا.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في تصريحات إعلامية محلية اليوم الثلاثاء إن الإمارات ومصر ودولا أخرى -لم يسمها- "تحاول زعزعة استقرار المنطقة كلها"، غير أنه انتقد أبو ظبي على وجه الخصوص. وأضاف "الواقع هو أنها (الإمارات) القوة التي زعزعت استقرار ليبيا ودمرت اليمن".
طبعا هذه التصريحات النارية لم تأتي من العدم ولم تكن تركيا لتطلق مثل التصريحات لولا أن العلاقات مع الامارات وصلت الى توترها الاقصى، فالخلاف الاساسي مع الامارات يتعلق باختلاف الرؤى والايديولوجيا بين البلدين، فبينما تحاول تركيا نشر الاسلام السياسي ودعم الاخوان المسلمين، تحارب الامارات هذا النهج أينما حل وارتحل، وكانت بداية التصادم بين هذين الخطين في مصر ابان حكم محمد مرسي، والانقلاب الذي حصل عليه بدعم اماراتي، حيث دعمت ابوظبي حكم العسكر وتمكنت من الاطاحة بمرسي وتنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وقبل عدة سنوات اتهمت تركيا الامارات بأنها تقف خلف الانقلاب الفاشل الذي واجهته تركيا في محاولة للاطاحة بحكم اردوغان، وكذلك، تعد الأزمة الليبية من أكثر القضايا الخلافية بين البلدين، حيث هاجمت الإمارات، في بيان لها نشر الخميس (30 أبريل الماضي)، تركيا، معلنة رفضها القاطع للدور العسكري التركي الذي يعرقل فرص وقف إطلاق النار، ويجهض جهود المجتمع الدولي للتوصل إلى حل سياسي شامل.
التصريحات النارية الاخيرة التي شنتها تركيا ضد الامارات، جاءت بعد يوم من بيان صدر عن وزراء كل من مصر والإمارات العربية المتحدة واليونان وقبرص وفرنسا يدعو الأطراف الليبية إلى التزام الهدنة خلال شهر رمضان، ويندد " بالتدخل العسكري التركي" في ليبيا.
وطالب البيان أنقرة بالاحترام الكامل لحظر السلاح الأممي، ووقف تدفق المقاتلين الأجانب من سوريا إلى ليبيا، واعتبر أن التدخل التركي يهدد استقرار دول جوار ليبيا الأفريقية والأوروبية.
الصراع بين تركيا من جهة وكل من السعودية والامارات من جهة اخرى، لم يتوقف عند التصريحات على مستوى الوزراء بل دخل ايضا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على خط الازمة وصعد من خطابه تجاه هاتين الدولتين، حيث تعهد بمواصلة بلاده مكافحة ما وصفه بـ"قوى الشر"، بما فيها بؤر العداء في منطقة الخليج.
وقال أردوغان، في كلمة متلفزة ألقاها يوم الاثنين بعد مشاركته في اجتماع للحكومة التركية، إن بلاده تتعرض لضغوط اقتصادية وغيرها، مضيفا: "ندرك جيدا المآرب الخبيثة وراء المكائد التي تستهدف اقتصادنا".
وتابع: "لن نتراجع أمام قوى الشر، إن كانت منظمة فيتو أو حزب العمال الكردستاني أو اللوبي الأرمني أو اللوبي اليوناني أو بؤر العداء في منطقة الخليج".
اردوغان يقصد بطبيعة الحال الامارات والسعودية، خاصة وان حجم الاستثمارات الخليجية في تركيا بدأ ينخفض، ناهيك عن الدعوات الخليجية للمواطنين لعدم التوجه نحو تركيا للسياحة، المجال الذي يضخ ملايين الدولارات للاقتصاد التركي.
أردوغان لفت إلى أن أنقرة ستواصل إفشال مخططات الذين يتوهمون أنهم قادرون على هدم اقتصاد تركيا عن طريق استخدام مؤسسات مالية في الخارج وحشرها في الزاوية، مشددا على أن هؤلاء "سيجرون أذيال الخيبة مجددا".
وأوضح أن "الجهات التي لم تستطع استنزاف تركيا في سوريا وليبيا مثلما تشاء، لجأت إلى استخدام سلاح الاقتصاد بشكل متزايد". والأحد، قال رئيس هيئة التنظيم والرقابة المصرفية في تركيا، محمد علي أقبن، إن مؤسسته ستواصل التصدي بحزم لمحاولات التلاعب بسعر صرف الليرة.
وأكد أن التحقيق مستمر حيال الهجوم الذي تعرضت له الليرة التركية قبل عدة أيام من قبل 3 بنوك تتخذ من لندن مركزا لها. والخميس الماضي، علمت الأناضول من مصادر مصرفية تركية، أن بعض المؤسسات المالية في لندن تقوم بشراء العملات الصعبة من السوق، دون أن يكون لديها سيولة من الليرة التركية.
ولم يوضح الرئيس التركي ماذا كان يقصد بـ"بؤر العداء في الخليج"، إلا أن حديثه يأتي في الوقت الذي تشهد فيه علاقات تركيا مع السعودية والإمارات توترا ملموسا على خلفية قضايا عدة بينها الأزمة الليبية وقضية سوريا وموضوع اغتيال الصحفي السعودي، جمال خاشقجي.
بطبيعة الحال التوتر قائم منذ عدة سنوات، حتى ان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وصف تركيا بأنها احدى دول "مثلث الشر"، وزاد الخلاف بين البلدين بعد اغتيال خاشقجي واتهام أنقرة مسؤولين سعوديين بالوقوف وراء الحادثة.
وكان آخر الخلافات التركية السعودية اتهام وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير، في (فبراير 2020)، تركيا بـ"تمويل ورعاية المليشيات المتطرفة في الصومال وليبيا وسوريا".
في الختام؛ مايجري بين تركيا والامارات والسعودية هو صراع ايديولوجي من جهة ومن جهة اخرى هناك صراع خفي على زعامة العالم الاسلامي، وزاد هذا الامر بعد تدخل هذه الدول في كل من ليبيا وسوريا وقطر واليمن في محاولة لقلب الموازين وكسب اكبر عدد نقاط لصالحها في محاولة لزيادة هذه الدول من قوتها الاقليمية تمهيدا لتصدر زعامة الامة الاسلامية.
المصدر: الوقت
LINK: https://www.ansarpress.com/english/17459
TAGS: